Tuesday, January 26, 2010

الإعلامي القدير

أيامنا هذه أصبحت كما يُقال أيام الإعلام ،
و زماننا الذي نحياه أصبح زمن العناوين البرّاقة المثيرة .
ولكن المشكلة أن العدوى التجارية ، التي اكتسحت كل
شيء في حياتنا ، امتدت بدورها إلى الأجهزة الإعلامية ،
و إلى الأفراد العاملين فيها ..
لقد شاءت لي الظروف أن أقضي سنين طويلة من حياتي
عاملاً و مشاركاً فيما يُسمى " الوسط الإعلامي " ..
و أذكر أنني عندما تخرّجت من الجامعة ، و أردت
الالتحاق بهذا " الوسط " ، اعترض الكثير من أصدقائي
و أهلي على رغبتي تلك ، إذ كانوا يظنّون أنني يمكن أن
أصبح بشهادتي مدرّساً محترماً ، و أرتقي بسهولة في
سلك التعليم ، بدل إضاعة الوقت في جهاز إعلامي ..
و من باب الاستهزاء ، كانوا يرددون علي أحياناً :
ماذا تريد أن تصبح في النهاية ؟ مذيع ؟! مطرب ؟!
ممثل ! طبعاً مع الاحترام لكل هذه المهن ، و لكن
الصورة عن العاملين في الأجهزة الإعلامية في ذلك
الوقت كانت غامضة .
كان الوقت وقت عمل و جهد و إبداع ، لكل العاملين
في أجهزة التلفزيون و الإذاعة و المسرح ، و غيرها ،
و لكن بلا مردود مادي يتناسب مع الجهد المبذول .
و قد اندهشت كثيراً فيما بعد ، عندما اطّلعت على
المبالغ المتواضعة التي كان يتقاضاها من هم روّاد
كبار في الحقول الإعلامية المختلفة ..
و كان الواحد منهم يخجل أن يناقش أي مسئول
عن قيمة أجره أو مكافأته ، ويكتفي بالمردود الجماهيري
و حب الناس و تقديرهم .
و في المقابل ، صنع الإخلاص و الاجتهاد في
العمل نجوما كباراً حقيقيين في إمكاناتهم ، و قدراتهم
العملية و المهنية و الفنية ..
دون مبالغة ، و ادّعاء مكانة ، أو شهرة ..
كان المذيع مذيع ، و المخرج مخرج ، و الممثل
ممثل ، و الكاتب كاتب ، و مقدم البرامج يقدم
نفسه على إنه مقدم برامج ..
لم يكن هناك من يظن نفسه إعلامياً كبيراً ، أو
إعلامياً قديراً ، أو إعلامياً مميزاً ، أو حتى
إعلامياً فقط !
فدرجة " إعلام " لم يصل إليها في التلفزيون
و الإذاعة إلاّ عناصر محدودة مميّزة .
وليس كما هو الآن ، أصبح مَن هبّ و دَب ،
يدّعي التفوّق ، و الإعلاميّة ..
و بمساعدة بعض العناصر المتسلّقة ، المدّعية
هي بدورها الإمكانات الصحفية ، أصبحت
الألقاب و الأوصاف توزّع على كل منَ يدفع ،
و كل مَن يملك جرأة الإدّعاء و التّظاهر !


Wednesday, January 20, 2010

عن الحكمة .. و حُب الاستطلاع

يُعرّف المفكرون " الحكمة " بأنها خلاصة تجربة و مُعاناة ،
و نظرة إلى الكون و المجتمع ..
و " الحكمة " يُرددها صاحبها بكلام موجز و دقيق ،
ليُعبّر عن حقيقة ، أو رأي ، أو مبدأ .
و يُوجّهها للأجيال الشّابة و المعاصرة و التالية
لكسب الموعظة و التوجيه و الإرشاد .
و شرط الحكمة أن تكون عامة و شاملة .
و حتّى يُكتب لها الخلود ، يجب أن تنطبق على كل الناس ،
في كل زمان ، و مكان .
أما ظاهرة " حبُ الاستطلاع " ، فيعتبرها الكثيرون إنّها
وظيفة من وظائف الذّات الإنسانية ..
و " حب الاستطلاع " كدافع ، ليس خيرا أو شرّا ،
و لكنه قادر على دفع الإنسان إلى الإنتاج المُتميّز ،
عن طريق تزويد العقل بالمعلومات .
و يجب أن يُمارس الشخص " حب الاستطلاع " دون
قيد أو شرط .
إذ بمجرّد أن تفرض قيداَ على العقل الحُر ، فإنك تُنكر
عليه امتيازاَ أساسيّاَ له ،
ألا و هو أن يكون بشريّاَ .



Saturday, January 16, 2010

الإحتفالية في مهرجان القرين

من متابعتنا لأنشطة و فعاليات مهرجان القرين الثقافي لهذا العام
و الأعوام السابقة ، نلاحظ غلبة المظاهر الاحتفالية على هذه
الأنشطة و الفعاليات ، على حساب الإنتاج الثقافي و الفكري
الحقيقي لأبناء الكويت .
فمثل هذا المهرجان يجب أن يكون جرداً سنويّاً حقيقياً لكل ما
قدّمه المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب من جهد و خدمة
للنشاط الثقافي و الفكري و الفني و الأدبي بكل صوره و أشكاله
في البلاد ، و بما ينعكس بالدرجة الأولى على أبناء الكويت من
مبدعين في صنوف العطاء المختلفة ، و من مختلف الأصناف
العمرية .
أين المسابقات السنوية التي يجب على المجلس تنظيمها كل عام ،
و في كل الحقول الفكرية و الثقافية و الفنية ، و لجميع الكويتيين ،
و حسب شروط و قواعد مشجعة للمبتدئين و المتقدّمين و المتميّزين
منهم ، و دون محاولة التشاطر و التذاكي و الاستعراض من قِبل
افراد اللجان التي يتم تشكيلها لفرز و تقييم الأعمال المشاركة ،
فالكويت و العالم العربي يزخران بالمحكّمين المخلصين الذين
يسعون على الدّوام إلى صناعة و إبراز مبدعين جدد في أوطاننا .
نحن نعرف أن مثل هذا العمل يحتاج إلى جهد حقيقي ، لا يتصدّى
له إلاّ العناصر المبدعة بذاتها من العاملين في المجلس ، و ليس
مجرد الموظفين الذين ينتظرون نهاية الشهر لاستلام الراتب فقط .
و لمن يتذرّع بعدم توفّر الميزانيات اللازمة ، نقول أن المبالغ
الكبيرة التي تُصرف على الاحتفالات و المظاهر الشكلية عديمة
الجدوى ، و استضافة أشخاص مكرّرين ، يحضرون فقط لطيب
السفرة و السّكنى و المكافأة ، دون أي مردود فعلي من جانبهم ،
هذه المبالغ يمكنها أن تساهم في خلق قاعدة من التميّز الحقيقي
في الكويت ، و صناعة فكر و ثقافة و فن مزدهر يمكننا أن
نحتفي به سنوياً ، و نكرم صانعيه و مبدعيه بفخر ، و أن ننافس
بهم الآخرين بثقة و اعتزاز ، بدلا من استيراد نشاط الآخرين
و الانبهار به فقط ، و التفاخر بالاحتفال به ، دون المقدرة
على التعامل بالمثل ، ومشاركة الغير باحتفالاتهم ، و إثارة
إعجابهم بما نرد به الدعوة .
على المجلس أن يكون صانعاً للنشاط و التطور الثقافي
و الفني و الأدبي ، لتحقيق الهدف الذي وُجد من أجله .
ولا يجب عليه أن يتّكئ على جهود بعض المبدعين الذين
يبذلون من أعمارهم و أموالهم و أوقاتهم لخدمة هذا البلد
حبّاً فيه ، و رغبة لتشجيع غيرهم من مواطنيهم .
على مهرجان القرين أن يكون موعداً ينتظره المبدعون
من أبناء هذا الوطن للاحتفال بهم و بما قدّموه و ساهموا
به ، وليس مناسبة للتأنّق والادّعاء و الاستعراض أمام
العدسات و الكاميرات .
على الأموال العامة التي تُرصد للمجلس الوطني للثقافة
و الفنون و الآداب أن تُسترجع بفوائد عظيمة لهذا البلد
في أبنائه و شبابه و المخلصين له في هذا الميدان
الإنساني الذي يضمن التفوق و البروز لهم .
و على العاجزين و المتصنّعين و الباحثين عن
الأضواء فقط أن يبقوا بعيداً .

 

Thursday, January 7, 2010

قلب البحّار

للمتصارعين على الأموال و الشهرة و المناصب و الألقاب
في كويت اليوم ، نستعيد معاً التّساؤلات التالية لشاعرنا
الراحل الكبير ، " محمد الفايز " على لسان
البحّار الكويتي القديم :


أركبت مثلي " البوم " و " السّنبوك " و " الشُّوعي " الكبير ؟
أرفعت أشرعة أمام الرّيح في الليل الضّرير ؟
هل ذُقت زادي في المساء على حصير ؟
من نخلةٍ ماتت و ما مات العذاب بقلبي الدامي الكسير .




Wednesday, January 6, 2010

مفترق طرق


 


عندما قمت بقيادة السيارة لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية ،
أثار اهتمامي بالطبع الشوارع السريعة العريضة ، و الجسور
والمخارج الكثيرة المتشابكة المنظمة ، التي تُشعرك بالخوف و الرهبة
عندما تراها على الخريطة ، و لكن عندما تكون على مساراتها ،
و تتنقل فيما بينها ، تحس بالراحة و مُتعة القيادة ، خاصة عندما
تشاهد محطات الوقود و الإستراحات و المطاعم و " الموتيلات "
أو الفنادق الجميلة على جوانبها .
ولكن الذي لفت نظري أكثر ، خاصة على الطرق الداخلية بين
المناطق ، الاعتماد في الغالب عند تقاطعات الشوارع على
علامات الوقوف فقط ، و الاستغناء بصورة كبيرة عن الإشارات
الضوئية .
عند التقاطع ، جميع السيارات تقف ، و السائق الذي يصل
أولاً ، يتحرّك أولاً ، بصرف النظر عن الجهة التي يقف فيها .
الجميع يلتزم بالدور ، ولا يحاول أحد التعدّي على دور الآخر ،
أو الاستمرار في القيادة و قطع المفترق دون الوقوف .
فهم يعرفون خطورة ذلك ، و هم يعتمدون على أخلاق
القيادة ، و ضمائرهم ، التي رضوا بها بديلاً عن الإشارات
المرورية الضوئية .
و قد كسبوا بذلك الكثير من المال و الوقت الذي يذهب هدراً
على نصب هذه الإشارات ، و صيانتها ، و الاختناقات المرورية
التي تحدث عند تعطلها .
و العادة الحسنة و الإلتزام ، تجعل قائد السيارة يقف وقوفاً كاملاً
عندما يصل المفترق ، رغم إنه يرى الجهات الأخرى كلها
فاضية ، و لا سيارات فيها .. ثم يواصل السير .
و هذا المنظر الجميل يتكرر في أي وقت من النهار
و الليل .. و حتى في الأوقات المتأخرة من الليل ، التي
تخلو فيها الشوارع من السيارات .